الصمت المريب
تـنـحى فـي صـميم الـصمت عـني وبـتعد
و رمى بي في سواد الليل اقاسي لوعتي
تــرك الاحـزان تـصليني بـجمرات الـنوهد
تـقتلع مـن حـياض الروح قطرات دمعتي
سـحـق الاحـسـاس فـيـني والـحلم لـلابد
تـــرك الـحـسرات تـبـارك لاخــر صـرعـتي
اخـبروني كـيف ولـى عن حياتي و نجرد
قـطـع الاشــواق عـنـي و اطـفى شـمعتي
ايـن راح الـعهد و الايـمان وكـلما بـه وعد
كـيف خـل الـنار تـاكلني وتـوقظ هجعتي
كـيف تـناسى ان قـلبي على صدره سجد
وتـهجدت بـين اكنافه و اطلقت صرختي
يـا ضـروفه اطـلعيني الـحبيب ماذا وجد
كـيـف فـجآني بـهجره و اصـمت فـرحتي
كـنـت أظـنـه يــوم واحــد بـالـقلب انـفرد
مــا ظـنـنت انــه بـغـلظه يـفـارق دنـيتي
بـعد ثـمان ايـام يـا حـبيب هل باقي اشد
كـيـف اقـوى ونـار الـشوق تـاكل مـهجتي
هـل لـديك احـساس وهـل عـندك جـسد
هــل لـديـك تـفـكير يـاتـي يـنـظر حـالتي
قـد رثـى لـي الـخصم و العواذل والحسد
كل ما في الكون يبكيني ويمسح دمعتي
لا انـت يـا حـبيبي مـا وجـدت مـنك مـرد
يـستبد الـبين مـن قلبي ويقضي حاجتي
قصيدة "الصمت المريب" للشاعر عارف أحمد سيف الميرابي هي قصيدة عمودية تفيض بالشجن والألم، وتُعبّر عن تجربة إنسانية قاسية من الهجر والخيبة. إليك شرح مفصل ودقيق للقصيدة من جوانبها الأدبية المختلفة:
التحليل العام للقصيدة
القصيدة تعبر عن تجربة عاطفية مؤلمة، محورها هجر الحبيب المفاجئ وغير المبرر. الشاعر يستخدم لغة قوية ومعبرة لتصوير حجم الألم والمعاناة التي لحقت به جراء هذا الهجر. تتناوب القصيدة بين التعبير عن الصدمة، الاستفسار عن سبب الهجر، ولوم الحبيب على قسوته وتجاهله لآلامه. القصيدة تُظهر مدى تعلق الشاعر بهذا الحبيب، وكيف أن رحيله قد قلب عالمه رأسًا على عقب.
الجوانب الأدبية في القصيدة
1. العاطفة والموضوع
العاطفة المسيطرة في القصيدة هي الحزن العميق، الألم، الصدمة، الحسرة، والخيبة. يدور الموضوع حول الهجر والغياب المفاجئ للحبيب، وما تركه من آثار نفسية مدمرة على الشاعر. هناك أيضًا شعور بالاستنكار واللوم للحبيب الذي تنكّر للعهد والميثاق.
2. البناء الفني
* الشكل: القصيدة عمودية، تتبع نظام الشطرين والقافية الموحدة في كل بيت. هذا الشكل التقليدي يضفي عليها طابعًا كلاسيكيًا ويساعد على ترسيخ المعاني وتكثيفها.
* الوزن: تتبع القصيدة وزنًا واحدًا متكررًا (لم يُطلب تحديد البحر، لكنها تتناغم مع بحور الشعر العربي التقليدية)، مما يمنحها إيقاعًا موسيقيًا يسهم في تعزيز الحالة الشعورية للقصيدة.
* القافية: القافية موحدة في معظم الأبيات (مثل "لوعتي"، "دمعتي"، "صرعتي"، "شمعتي"، "هجعتي"، "صرختي"، "فرحتي"، "دنياي"، "مهجتي"، "حالتي"، "دمعتي"، "حاجتي"). هذه القافية المتكررة تخلق نغمة حزينة ومستمرة، وتوحّد أبيات القصيدة في بوتقة واحدة من الألم.
3. الألفاظ والتراكيب
* لغة قوية ومباشرة: يستخدم الشاعر ألفاظًا ذات وقع قوي ومباشر تعبر عن الألم، مثل: "الصمت المريب"، "سواد الليل"، "أقاسي لوعتي"، "جمرات النوهد"، "تقتلع"، "سحق الإحساس"، "أخر صرعتي"، "أطفأ شمعتي"، "النار تأكلني"، "أصمت فرحتي"، "نار الشوق تأكل مهجتي".
* تراكيب جملية مؤثرة: يكثر الشاعر من استخدام الأفعال التي تدل على القسوة والدمار مثل "تنحى"، "ابتعد"، "رمى بي"، "ترك الأحزان"، "سحق"، "قطع الأشواق"، "أطفأ"، "خلّ النار تأكلني"، "تناسى"، "فجآني"، "يُقضي حاجتي". هذه الأفعال تُسلط الضوء على حجم الضرر الذي ألحقه الحبيب بالشاعر.
* الاستفهام الإنشائي: يكثر الشاعر من استخدام الاستفهام الذي لا يطلب إجابة بل يعبر عن دهشة وألم ويأس، مثل: "أخبروني كيف ولى؟"، "أين راح العهد؟"، "كيف خلّ النار تأكلني؟"، "هل لديك إحساس؟"، "كيف أقوى؟". هذه الاستفهام تعمق من الإحساس بالضياع والحيرة.
4. الصور الفنية والمحسنات البديعية
* التشبيهات والاستعارات:
* "رمى بي في سواد الليل أقاسي لوعتي": استعارة مكنية، تشبيه الليل بكائن يرمي، وتعبير عن قسوة الظلمة التي تحيط به.
* "تـرك الاحـزان تـصليني بـجمرات الـنوهد": استعارة مكنية، شبه الأحزان بنار تصليه، و"جمرات النوهد" كناية عن شدة الألم الذي يحرق الجوف.
* "تـقتلع مـن حـياض الروح قطرات دمعتي": استعارة مكنية، شبه الروح بالحياض (مصادر الماء)، وتعبير عن شدة النزيف العاطفي.
* "سـحـق الاحـسـاس فـيـني والـحلم لـلابد": استعارة مكنية، تشبيه الإحساس والحلم بشيء مادي يُسحق، كناية عن تدميرهما الكامل.
* "اطفى شمعتي": استعارة تصريحية، الشمعة رمز للأمل والحياة، وإطفاؤها يعني إنهاء الأمل والحياة.
* "خل النار تأكلني": استعارة مكنية، تشبيه الألم بالنار التي تأكل الجسد، كناية عن شدة الحرق الداخلي.
* "نار الشوق تأكل مهجتي": استعارة مكنية، توكيد على شدة الشوق والألم الذي يفتك بالروح.
* الكنايات:
* "الصمت المريب": كناية عن الغموض والقسوة في تصرف الحبيب، فصمته لم يكن هدوءًا بل كان نذير شؤم.
* "بين أكنافه": كناية عن القرب والحماية والدفء الذي كان يجده الشاعر عند الحبيب.
* "أطلقت صرختي": كناية عن شدة المعاناة التي دفعت الشاعر للصراخ.
* الطباق (التضاد):
* "الخصم والعواذل والحسد" مقابل "الحبيب": يبرز مدى قسوة الحبيب الذي لم يرث لحال الشاعر بينما رثى له أعداؤه.
* التكرار:
* تكرار كلمة "كيف" في أكثر من موضع: "كيف ولى"، "كيف خلّ"، "كيف تناسى"، "كيف فجآني"، "كيف أقوى". هذا التكرار يعكس حيرة الشاعر وصدمته وعدم قدرته على استيعاب ما حدث.
* تكرار الضمير "أنت" في "لا أنت يا حبيبي ما وجدت منك مرد": لزيادة التوكيد على غياب استجابة الحبيب.
5. الدلالات والرموز
* الصمت: ليس مجرد غياب الصوت، بل هو دلالة على الإهمال، اللامبالاة، والقسوة من جانب الحبيب. صمت يثير الشك والريبة.
* الليل/السواد: رمز للألم، الوحدة، الظلام النفسي، واليأس.
* النار/الجمرات: رمز للألم الحارق، الشوق الملتهب، والمعاناة الشديدة.
* الشمعة: رمز للأمل، الحياة، البهجة. إطفاؤها يعني فقدان كل ذلك.
* الدمعة: رمز للحزن، اليأس، والضعف أمام الألم.
* العهد/الإيمان: رمز للوفاء، الثقة، والميثاق الذي انهار.
خلاصة
قصيدة "الصمت المريب" هي صرخة ألم من روح معذبة. يستعرض فيها الشاعر حجم الدمار الذي لحق به جراء هجر الحبيب، مستخدمًا لغة قوية، صورًا فنية مؤثرة، وتساؤلات بلاغية تعبر عن صدمته وخيبته. القصيدة تعكس تجربة إنسانية عميقة من الحزن والفقد، وتبرز قدرة الشاعر على التعبير عن المشاعر الجياشة بأسلوب فني متقن. إنها قصيدة تلامس الوجدان وتترك أثرًا عميقًا في نفس القارئ.
تعليقات
إرسال تعليق
أخي الزائر نحن سعيدون جدا بزيارتك لنا فزيارتك شي عظيم بالنسبة لنا و يهمنا كثيراً من فضلك أترك تعليقك هنا لما ترانا نستحقة من حروفك الذهبيات فألف الف شكر